يعود تاريخ الطيران المدني في دبي إلى الثلاثينات من القرن الماضي، عندما وقع المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم حاكم دبي آنذاك مع الكابتن هيكنبوثام، الوكيل السياسي للحكومة البريطانية و الذي كان يقيم في البحرين "اتفاقية الطيران التجارية لدبي" في يوليو عام 1937 .
حيث يعد هذا الاتفاق حجر الأساس لسياسة "الأجواء المفتوحة" و التي تطبقها حكومة دبي في الوقت الحالي. و ما يميز هذا الاتفاق هو انه لا ينص على فرض اي قيود على عدد الرحلات، وبالتالي تبنى اطار تحرري لحقوق النقل الجوي، ويعتبر هذا الاتفاق او اتفاقية "أجواء مفتوحة" للطيران المدني التجاري. و منذ ذلك الحين واصلت صناعة الطيران المدني نموها لتصل إلى ما هي عليه الآن كواحدة من أفضل صناعات الطيران في العالم.
و يرجع الفضل إلى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في تأسيس البنية التحتية لدعم صناعة الطيران التجاري في دبي، و في العاشرة من سبتمبر 1959 دشن الشيخ راشد مطاراً ليخدم الإمارة، و ليكون علامة أخرى فارقة في تاريخ الطيران المدني في دبي، وقد أعلن عن بدء تشغيل المطار رسمياً في 30 سبتمبر 1960.
و في عام 1966 اصدر المغفور له الشيخ راشد قرارا بتشكيل لجنة مطار دبي الدولي، كما أصدر قرارا في 18 مارس عام 1971 بتأسيس دائرة الطيران المدني، و فيما يتعلق بالمواثيق الدولية طلب المغفور له من الوكيل السياسي البريطاني ان يتولى مسؤولية الطيران المدني بموجب الاتفاقية الدولية للطيران المدني الموقعة في شيكاغو، كما أمر بتأسيس الوكالة الوطنية للسفريات و التي عرفت باسم (دناتا) لتولي الجوانب الخاصة بحجز التذاكر و المبيعات العامة و المسافرين.
و في 15 ابريل عام 1969، شيد مطار جديد حديث يضم مرافق متطورة و مباني للمسافرين مكونة من عدة طوابق، و مساحات صف كبيرة يمكنها استيعاب الطائرات الكبيرة الحجم، و مكاتب ، ومساحات لصف السيارات، و قاعة لكبار الزوار، و مركز للمعارض، و سوق حرة، وقد أعلن المغفور له الشيخ راشد افتتاح المطار رسمياً في 15 مايو 1975.
أما في 25 أغسطس 1977، فتم تأسيس لجنة جديدة تتولى مسؤولية الإدارة و التطورات المستقبلية لمطار دبي الدولي، و قد تم تعيين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي) لقيادة هذه اللجنة.
و حتى قبل ان يتولى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئاسة هذه اللجنة كانت لديه خطط لتطوير دبي بحيث تصبح واجهة سياحية عالمية، و كان ذلك بداية لحقبة جديدة في تاريخ الطيران المدني في دبي، وجدد صاحب السمو سياسة "الاجواء المفتوحة" و اتخذ كافة الإجراءات التي من شأنها تعزيز تطبيقها من خلال توسعة البنية التحيتة اللازمة، و توسعة المرافق و الطاقة الاستيعابية اللازمة لمواكبة الزيادة في حجم حركة المسافرين و الطائرات.
وساهمت الخبرة الواسعة و المعرف العميقة التي يملكها صاحب السمو في مختلف جوانب صناعة الطيران في إحداث نقلة نوعية في صناعة الطيران، و منذ مطلع السبعينات مهدت خبرته و رؤيته وإرشاداته الطريق لنجاح صناعة الطيران في دبي.
و شهدت مسيرة صناعة الطيران المدني في دبي تطوراً آخر مهماً في 20 ديسمبر عام 1983 بتأسيس سوق دبي الحرة، وانطلاقا من رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد تم تأسيس شركة "طيران الإمارات" في عام 1985، واصبحت الشركة التي بدأت ممارسة عملها في 25 أكتوبر عام 1985 بطائرين مستأجرتين، واحدة من اكبر شركات الطيران على مستوى العالم و تقدم خدماتها وفقاً لأرقى المعايير العالمية.
و في عام 2009 تأسست شركة "فلاي دبي" كأول شركة للطيران الاقتصادي في دبي.
كما تواصلت عمليات التحديث و التطوير للبنية التحتية للطيران مع افتتاح مبنى الشيخ راشد في عام 2000، و افتتاح المبنى 3 الذي رفع الطاقة الاستيعابية لمطار دبي الدولي إلى 60 مليون مسافر سنوياً، كما افتتح مبنى "الكونكورس 3" المخصص لاستقبال طائرات "ايرباص ايه" 380 العملاقة.
و انضمت دبي لعضوية النادي العالمي للمدن التي تملك مطارين مع افتتاح مطار آل مكتوم الدولي في دبي ورلد سنترال في 2010.
و مع تأسيس شركة طيران الإمارات تولت دائرة الطيران المدني مهمة تأمين المتطلبات السياسية و الجوية اللازمة لعمل الشركة مثل: عقد الاتفاقيات والحصول على مساحات الهبوط التي تمكن الشركة من تسيير رحلات إلى الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات.
و رغم وجود ممانعة من جانب بعض سلطات الطيران المدني في بعض الدول، إلا أن مهمة دائرة الطيران المدني اصحبت اكثر سهولة بفضل تمسك دبي بسياسة "الأجواء المفتوحة" في منح حقوق الهبوط و بصورة مبدئية فإن التشريعات استهدفت تأمين حقوق الهبوط في الدول الخليجية المجاورة ثم توسعت نحو شبه القارة الهندية و شمال إفريقيا، و في الوقت الحالي فإنها تغطي كافة قارات العالم.
و مما لا شك فيه أن الرؤية الثاقبة و السياسات الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم هي التي جعلت النجاح الذي حققته صناعة الطيران المدني في دبي ممكناً.
|